قلْبي يُحدّثُني بأنّكَ مُتلِفي، | روحي فداكَ عرفتَ أمْ لمْ تعرفِ |
لم أقضِ حقَّ هَوَاكَ إن كُنتُ الذي | لم أقضِ فيهِ أسى ً، ومِثلي مَن يَفي |
ما لي سِوى روحي، وباذِلُ نفسِهِ، | في حبِّ منْ يهواهُ ليسَ بمسرفِ |
فَلَئنْ رَضيتَ بها، فقد أسْعَفْتَني؛ | يا خيبة َ المسعى إذا لمْ تسعفِ |
يا مانِعي طيبَ المَنامِ، ومانحي | ثوبَ السِّقامِ بهِ ووجدي المتلفِ |
عَطفاً على رمَقي، وما أبْقَيْتَ لي | منْ جِسميَ المُضْنى ، وقلبي المُدنَفِ |
فالوَجْدُ باقٍ، والوِصالُ مُماطِلي، | والصّبرُ فانٍ، واللّقاءُ مُسَوّفي |
لم أخلُ من حَسدٍ عليكَ، فلاتُضعْ | سَهَري بتَشنيعِ الخَيالِ المُرْجِفِ |
واسألْ نُجومَ اللّيلِ:هل زارَ الكَرَى | جَفني، وكيفَ يزورُ مَن لم يَعرِفِ؟ |
لا غَروَ إنْ شَحّتْ بِغُمضِ جُفونها | عيني وسحَّتْ بالدُّموعِ الدُّرَّفِ |
وبماجرى في موقفِ التَّوديعِ منْ | ألمِ النّوى ، شاهَدتُ هَولَ المَوقِفِ |
إن لم يكُنْ وَصْلٌ لَدَيكَ، فَعِدْ بهِ | أملي وماطلْ إنْ وعدتَ ولاتفي |
فالمطلُ منكَ لديَّ إنْ عزَّ الوفا | يحلو كوصلٍ منْ حبيبٍ مسعفِ |
أهفو لأنفاسِ النَّسيمِ تعلَّة ً | ولوجهِ منْ نقلتْ شذاهُ تشوُّفي |
فلَعَلَ نارَ جَوانحي بهُبوبِها | أنْ تَنطَفي، وأوَدّ أن لا تنطَفي |
يا أهلَ ودِّي أنتمُ أملي ومنْ | ناداكُمُ يا أهْلَ وُدّي قد كُفي |
عُودوا لَما كُنتمْ عليهِ منَ الوَفا، | كرماً فإنِّي ذلكَ الخلُّ الوفي |
وحياتكمْ وحياتكمْ قسماً وفي | عُمري، بغيرِ حياتِكُمْ، لم أحْلِفِ |
لوْ أنَّ روحي في يدي ووهبتها | لمُبَشّري بِقَدومِكُمْ، لم أنصفِ |
لا تحسبوني في الهوى متصنِّعاً | كلفي بكمْ خلقٌ بغيرِ تكلُّفِ |
أخفيتُ حبَّكمُ فأخفاني أسى ً | حتى ، لعَمري، كِدتُ عني أختَفي |
وكَتَمْتُهُ عَنّي، فلو أبدَيْتُهُ | لَوَجَدْتُهُ أخفى منَ اللُّطْفِ الخَفي |
ولقد أقولُ لِمن تَحَرّشَ بالهَوَى : | عرَّضتَ نفسكَ للبلا فاستهدفِ |
أنتَ القتيلُ بأيِّ منْ أحببتهُ | فاخترْ لنفسكَ في الهوى منْ تصطفي |
قلْ للعذولِ أطلتَ لومي طامعاً | أنَّ الملامَ عنِ الهوى مستوقفي |
دعْ عنكَ تعنيفي وذقْ طعمَ الهوى | فإذا عشقتَ فبعدَ ذلكَ عنِّفِ |
بَرَحَ الخَفاءَبحُبّ مَن لو، في الدّجى | سفرَ الِّلثامَ لقلتُ يا بدرُ اختفِ |
وإن اكتفى غَيْري بِطيفِ خَيالِهِ، | فأنا الَّذي بوصالهِ لا أكتفي |
وَقْفاً عَلَيْهِ مَحَبّتي، ولِمِحنَتي، | بأقَلّ مِنْ تَلَفي بِهِ، لا أشْتَفي |
وهَواهُ، وهوَ أليّتي، وكَفَى بِهِ | قَسَماً، أكادُ أُجِلّهُ كالمُصْحَفِ |
لوْ قالَ تِيهاً:قِفْ على جَمْرِ الغَضا | لوقفتُ ممتثلاً ولمْ أتوقفِ |
أوْ كانَ مَنْ يَرْضَى ، بخدّي، موطِئاً | لوضعتهُ أرضاً ولمْ أستنكفِ |
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإنْ | هوَ بالوصالِ عليَّ لمْ يتعطَّفِ |
غَلَبَ الهوى ، فأطَعتُ أمرَ صَبابَتي | منْ حيثُ فيهِ عصيتُ نهيَ معنِّفي |
مني لَهُ ذُلّ الخَضوع، ومنهُ لي | عزُّ المنوعِ وقوَّة ُ المستضعفِ |
ألِفَ الصّدودَ، ولي فؤادٌ لم يَزلْ، | مُذْ كُنْتُ، غيرَ وِدادِهِ لم يألَفِ |
ياما أميلحَ كلَّ ما يرضى بهِ | ورضابهُ ياما أحيلاهُ بفي |
لوْ أسمعوا يعقوبَ ذكرَ ملاحة ٍ | في وجههِ نسيَ الجمالَ اليوسفي |
أوْ لوْ رآهُ عائداً أيُّوبُ في | سِنَة ِ الكَرَى ، قِدماً، من البَلوَى شُفي |
كلُّ البدورِ إذا تجلَّى مقبلاً | ، تَصبُو إلَيهِ، وكُلُّ قَدٍّ أهيَفِ |
إنْ قُلْتُ:عِندي فيكَ كل صَبابة ٍ؛ | قالَ:المَلاحة ُ لي، وكُلُّ الحُسْنِ في |
كَمَلتْ مَحاسِنُهُ، فلو أهدى السّنا | للبدرِ عندَ تمامهِ لمْ يخسفِ |
وعلى تَفَنُّنِ واصِفيهِ بِحُسْنِهِ، | يَفْنى الزّمانُ، وفيهِ ما لم يُوصَفِ |
ولقدْ صرفتُ لحبِّهِ كلِّي على | يدِ حسنهِ فحمدتُ حسنَ تصرُّفي |
فالعينُ تهوى صورة َ الحسنِ الَّتي | روحي بها تصبو إلى معنى ً خفي |
أسْعِدْ أُخَيَّ، وغنِّ لي بِحَديثِهِ، | وانثُرْ على سَمْعي حِلاهُ، وشَنِّفِ |
لأرى بعينِ السّمعِ شاهِدَ حسْنِهِ | معنى ً فأتحفني بذاكَ وشرِّفِ |
يا أختَ سعدٍ منْ حبيبي جئتني | بِرسالَة ٍ أدّيْتِها بتَلَطّفِ |
فسمعتُ مالمْ تسمعي ونظرتُ ما | لمْ تنظري وعرفتُ مالمْ تعرفي |
إنْ زارَ، يوماً ياحَشايَ تَقَطَّعي، | كَلَفاً بهِ، أو سارَ، يا عينُ اذرِفي |
ما للنّوى ذّنْبٌ، ومَنْ أهوى مَعي، | إنْ غابَ عنْ إنسانِ عيني فهوَ في |
قصيدة للشاعر العبّاسي : ابن الفارض
غناء وتلحين : ريم بنّا